ويحتفل باليوم العالمى للصحة النفسية كل عام فى يوم 10 أكتوبر لإذكاء الوعى العام بقضايا الصحة النفسية، والغرض من هذا اليوم هو إجراء مناقشات أكثر انفتاحا بشأن الأمراض النفسية، وتوظيف الاستثمارات فى الخدمات ووسائل الوقاية على حد سواء.
وأشارت الإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية فى عام 2002 إلى أن 154 مليون نسمة يعانون من الاكتئاب على الصعيد العالمى، علما بأن الاكتئاب ليس إلا أحد أنواع الأمراض النفسية، وكان أول الاحتفالات فى عام 1992 بناء على مبادرة من الاتحاد العالمى للصحة النفسية، وهى منظمة دولية للصحة النفسية مع أعضاء وشركاء فى أكثر من 150 بلدا، وفى بعض البلدان مثل هذا اليوم هو جزء من عملية أكبر لأسبوع التوعية بمرض نفسى.
وأشارت تقارير منظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمى للصحة النفسية إلى أن عدد المصابين بمرض الفصام أو الانفصام العقلى بحوالى 45 مليون إنسان فى بلدان العالم، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان فى أى مجتمع، ويمثل مرضى الفصام أكثر من 90% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية.. ويوجد أكثر من 50٪ من الأشخاص الذين يعانون الفصام لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة، وأن 90 % من مرضى الفصام غير المعالج يوجد فى البلدان النامية.
والفصام أو الشيزوفرينيا، هو اضطراب حاد فى الدماغ يشوه طريقة الشخص المصاب به فى التفكير، التصرف، التعبير عن مشاعره، النظر إلى الواقع ورؤية الوقائع والعلاقات المتبادلة بينه وبين المحيطين به. والأشخاص المصابون بمرض الفصام (وهو المرض الأصعب والأكثر تقييدا من بين جميع الأمراض النفسية المعروفة) يعانون بشكل عام من مشاكل وظيفية فى المجتمع فى مكان العمل، فى المدرسة وفى علاقاتهم مع زوجاتهم – أزواجهن.. وقد يسبب مرض الفصام للمصابين به الخوف والانطواء على النفس.
والفصام هو مرض مزمن يلازم المصاب به طوال فترة حياته ولا يمكن معالجته، لكن يمكن السيطرة عليه بواسطة العلاجات الدوائية المناسبة. وخلافا للفكرة الشائعة فليس الفصام انفصاما فى الشخصية، بل هو عبارة عن اضطراب نفسى (ذهنى) لا يستطيع الشخص المصاب به التفريق أو التمييز بين الواقع وبين الخيال، وقد يحدث أحيانا أن يفقد شخص مصاب باضطراب نفسى ارتباطه بالواقع. ويهيأ للمصابين بمرض الفصام أن العالم المحيط بهم مركب من خليط كبير من الأفكار، المناظر والنغمات.. وقد يكون السلوك المميز للأشخاص المصابين بمرض الفصام غريبا جدا، بل مرعبا أحيانا. والتغيير المفاجئ الذى يحصل فى شخصية المريض أو فى سلوكياته والذى يجعله يفقد أية صلة مع الواقع يسمى “المرحلة الذهنية”.
وهناك عدد من الأنواع الفرعية لمرض الفصام، وهى تقسم حسب الأعراض المميزة لكل منها: فصام المطاردة (فصام بارانويدى / فصام زورانى) وهم الأشخاص الذين يعانون من فصام المطاردة يكونون غارقين فى أوهام عن أنهم ملاحقون أو مطاردون من قبل شخص آخر أو طرف معين. ومع ذلك، تبقى طريقة تفكيرهم، كلامهم ومشاعرهم عادية جدا. فصام لا منتظم: وهم الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام، ويعانون فى الغالب من الشعور بالارتباك ومن مشاكل فى الاتصال والتواصل مع الآخرين، كما يعانون من الكلام المتلعثم وغير الواضح، وبنظرة من الخارج يظهرون وكأنهم عديمو المشاعر والحساسية، ذوو سلوكيات غير ملائمة أحيانا، ويبدون صبيانيين وتصرفاتهم تبدو سخيفة تافهة.. ويظهرون سلوكيات مضطربة ومرتبكة وغير منظمة، قد تعيق قدرتهم على إدارة حياتهم اليومية بشكل سليم مثل، وقت الاستحمام أو إعداد الطعام. فصام جامودى: وهم الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام تظهر لديهم أعراض جسدية واضحة ومميزة، فهم محدودون من حيث الحركة غالبا، ولا يستجيبون للمؤثرات المختلفة التى يعج بها العالم من حولهم. وقد يصبح جسم الشخص المصاب بهذا النوع من الفصام أحيانا صلبا ومتحجرا، فلا يرغب فى مجرد محاولة الحركة مطلقا.. وأحيانا يظهر الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام نمطا حركيا مميزا وغريبا، مثل تنفيذ حركات فى الوجه أو الميل إلى البقاء فى وضعيات غريبة، وقد يكررون كلمة أو جملة أو تعبيرا معينا صدر عن شخص موجود بالقرب منهم فى ذات الوقت. والأشخاص المصابون بالفصام الجامودى معرضون بدرجة عالية لأن يعانوا من النقص الغذائى من فرط الإعياء كما يميلون إلى إيذاء أنفسهم.. فصام لا متميز: وهذا هو نوع فرعى من مرض الفصام يتم تشخيصه عندما تكون الأعراض التى يظهرها المريض غير واضحة تماما ولا تعبر عن أى من الأنواع الثلاثة المذكورة سابقاَ.. فصام متبقى: فى هذا النوع الفرعى من مرض الفصام تكون أعراض المرض قد تقلصت. الهلوسة، الأوهام، أو أية أعراض أخرى للمرض مازالت موجودة (متبقية)، لكنها أخف من ما كانت عليه فى التشخيص الأولى للمرض.
وأعراض الفصام تتركب من عدة عوامل بدءا من التغيرات التى تحصل فى شخصية المريض وقدراته وحتى إظهار تغييرات فى التصرفات وملاءمتها للأوضاع المختلفة. وعند ظهور فصام للمرة الأولى يكون ظهور الأعراض فجائيا وحادا. ويمكن تقسيم الأعراض المشتركة لكل أنواع الفصام إلى ثلاث مجموعات أساسية: أعراض إيجابية، أعراض ارتباك وبلبلة، وأعراض سلبية.
والأعراض الإيجابية للفصام، فى هذه الحالة كلمة “إيجابية” لا تعنى بالضرورة أن الأعراض جيدة، إنما المقصود هو أن الأعراض واضحة وظاهرة للعيان وهى لا تظهر لدى الأشخاص الذين لا يعانون من الفصام. وهذه الأعراض التى تسمى أحيانا الأعراض النفسية (الذهنية) تشمل، الأوهام، الهلوسة، أعراض الارتباك والبلبلة الخاصة بالفصام، أعراض الارتباك والبلبلة تعكس عدم قدرة الشخص المصاب بالفصام على التفكير الصافى والتصرف بترو وبتحكيم العقل. وهذه الأعراض تشمل: تركيب جمل غير منطقية أو استعمال كلمات غير ذات معنى الأمر الذى يصعب على الشخص المصاب بالفصام التواصل مع المحيطين به، الانتقال السريع من موضوع إلى آخر أو من فكرة إلى أخرى، بطء فى الحركة، عدم القدرة على اتخاذ القرارات، الانشغال الزائد بكتابة عديمة المعنى، ميل إلى نسيان أمور معينة أو فقد أو إضاعة الأغراض، تكرار حركات أو إيماءات مثل المشى ذهابا وإيابا أو المشى بشكل دائرى، صعوبات فى التفكير بشكل منطقى وفهم ظواهر يومية مثل نغمات أو ضجيج.
أما الأعراض السلبية للفصام، فى هذه الحالة كلمة “سلبية” لا تعنى بالضرورة أن الأعراض سيئة، إنما المقصود هو غياب الأعراض التى يمكن ملاحظتها عند الأشخاص المصابين بالفصام. وتشمل هذه الأعراض: انعدام الإحساس أو التعبير عن المشاعر والأفكار، وحالات مزاجية لا تتلاءم مع الوضع القائم مثل الإجهاش بالبكاء بدلا من الضحك عند سماع نكتة، الانسحاب من الحياة العائلية وحياة المجتمع والنشاطات الاجتماعية، نقص فى الطاقة، نقص فى الدافعية، فقدان المتعة أو الاهتمام بالحياة، عادات صحة سيئة وعناية منقوصة، مشاكل فى الأداء الوظيفى سواء فى المدرسة أو فى مكان العمل أو فى نشاطات أخرى، المزاجية (المزاج المتقلب، الحزن حتى الاكتئاب أو الفرح، أو حالات مزاجية متقلبة(فتور الشعور (الجمود) وهى حالة يبقى فيها الشخص فى نفس الوضعية بشكل دائم لفترات زمنية طويلة جدا.
والمسبب الدقيق للفصام لا يزال غير معروف حتى الآن. أما المعروف فهو أن مرض الفصام مثل السرطان أو السكرى هو مرض حقيقى له أساس بيولوجى، ولا ينشأ مرض الفصام من جراء فشل تربوى من جانب الأهل أو نتيجة ضعف فى الشخصية. وقد كشف الباحثون عن عدة عوامل قد يكون لها دور فى تكون مرض الفصام من بينها، الوراثة، عمليات كيميائية فى الدماغ، خلل فى بنية الدماغ، عوامل بيئية. ويتم تشخيص الفصام عن طريق الطبيب المعالج الذى يقوم بإجراء فحص جسمانى شامل ويستعرض الماضى الطبى للمريض. وبالرغم من عدم توفر فحوصات مخبرية قادرة على تأكيد الإصابة بالفصام، إلا أن الطبيب يستطيع إجراء عدد من الفحوصات المختلفة، مثل التصوير بالأشعة السينية أو إجراء فحوصات دم مختلفة وذلك بهدف نفى احتمال كون الأعراض ناجمة عن الإصابة بمرض آخر له نفس الأعراض كالفصام. وفى حالة عدم قدرة الطبيب على الكشف عن مرض آخر مسبب لظهور أعراض المرض، قد يقوم بتوجيه المريض إلى الفحص لدى طبيب نفسى أو معالج نفسانى، الذين تلقوا التدريب المناسب لتشخيص ومعالجة الأمراض النفسية المختلفة. ويجرى الطبيب النفسى مقابلة أعدت خصيصا وبأدوات تقييم خاصة بهدف تقييم الشخص وتحديد ما إذا كان يعانى فعلا من اضطراب نفسى. ويحدد الطبيب المعالج تشخيصه وفقا لتقرير المريض حول الأعراض التى تظهر لديه، وبالإضافة إلى ذلك يقوم الطبيب بمراقبة المريض بهدف تشخيص تصرفاته، ويحتم تأكيد التشخيص بأن الشخص مصاب بمرض الفصام فى حالة إظهار أعراض واضحة ومميزة للمرض لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
وقد عملت منظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع الاتحاد العالمى للصحة النفسية عدة برامج تجريبية فى عدد قليل من البلدان النامية، وقد أثبتت جدوى توفير الرعاية للأشخاص الذين يعانون الفصام، ويشمل ذلك التدريب الملائم لموظفى الرعاية الصحية الأولية، وتوفير الأدوية الأساسية، وتعزيز دور الأسر للرعاية المنزلية لمرضى الفصام؛ والتوعية الصحية فى التعليم العام لتقليل الوصمة والتمييز ضد مرضى الفصام.
علوم و صحة
0 التعليقات:
إرسال تعليق